سورة الزخرف - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزخرف)


        


{الأخلاء} المتحابُّون في الدُّنيا على الإطلاقِ أو في الأمورِ الدُّنيويةِ {يَوْمَئِذٍ} يومَ إذْ تأتيهُم الساعةُ {بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} لانقطاعِ ما بينَهم منْ علائقِ الخُلَّةِ والتَّحابِّ لظهورِ كونِها أسباباً للعذابِ. {إِلاَّ المتقين} فإنَّ خُلَّتَهم في الدُّنيا لمَّا كانتْ في الله تبقَى على حالِها بل تزدادُ بمشاهدةِ كلَ منهُم آثارَ خُلَّتِهم من الثوابِ ورفعِ الدَّرجاتِ، والاستثناءُ على الأولِ متصلٌ وعلى الثَّانِي منقطِعٌ {ياعباد لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} حكايةٌ لما يُنادَى به المتقونَ المتحابونَ في الله يومئذٍ تشريفاً لهم وتطييباً لقلوبِهم. {الذين ءامَنُواْ بئاياتنا} صفةٌ للمُنادَى أو نُصب على المدحِ. {وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ} أي مُخلصينَ وجوهَهُم لنَا جاعلينَ أنفسَهُم سالمةً لطاعتِنا، وهو حالٌ من واوِ آمنُوا. عن مقاتلٍ: إذَا بعثَ الله النَّاسَ فزعَ كلُّ أحدٍ فُينادِي منادٍ يا عبادِي فيرفعُ الخلائقُ رؤوسَهُم على الرجاءِ ثم يتبعُها الذينَ آمنُوا الآيةَ فينكِّسُ أهلْ الأديانِ الباطلةِ رؤوسَهُم. {ادخلوا الجنة أَنتُمْ وأزواجكم} نساؤُكم المؤمناتُ. {تُحْبَرُونَ} تُسرُّون سروراً يظهرُ حَبارُه أي أثرُه على وجوهِكم، أو تُزينونَ من الحَبَرةِ وهو حُسن الهيئةِ، أو تُكرمونَ إكراماً بليغاً. والحَبْرةُ المبالغةُ فيما وصفَ بجميلٍ. {يُطَافُ عَلَيْهِمْ} بعدَ دخولِهم الجنَّةَ حسبَما أُمرِوا بهِ. {بصحاف مّن ذَهَبٍ وأكواب} كذلك. والصِّحافُ جمعُ صَحْفةٍ، قيلَ: هيَ كالقصعَةِ، وقيلَ: أعظمُ القِصَاعِ الجفنةُ ثم القصعةُ ثم الصحفةُ ثم المكيلةُ. والأكوابُ جمعُ كوبٍ وهو كوزٌ لا عُروةَ لَهُ. {وَفِيهَا} أي في الجَّنةِ {مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس} من فُنونِ الملاذِّ. وقرئ: {ما تَشْتَهي}. {وَتَلَذُّ الأعين} أي تستلذُّه وتقرُّ بمشاهدتِه، وقرئ: {وتلذُّهُ} {وَأَنتُمْ فِيهَا خالدون} إتمامٌ للنعمةِ وإكمالٌ للسرورِ، فإنَّ كلَّ نعيمٍ له زوالٌ بالآخرةِ مقارن لخوفِه لا محالةَ. والالتفاتُ للتشريفِ.
{وَتِلْكَ الجنة} مبتدأٌ وخبرٌ {التى أُورِثْتُمُوهَا} وقرئ: {وُرِّثتمُوهَا} {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} في الدُنيا الأعمالِ الصالحةِ، شبَّه جزاءَ العملِ بالميراثِ لأنَّه يخلُفه العامل عليه، وقيلَ تلكَ الجنةُ مبتدأٌ وصفةٌ والموصولُ مع صلتِه خبرُهُ، وقيلَ: هو صفةُ الجنةُ كالوجهِ الأولِ والخبرُ بما كنتُم تعملُون فتتعلقُ الباءُ بمحذوفٍ لا بأُورثتمُوها كما في الأولَينِ. {لَكُمْ فِيهَا فاكهة كَثِيرَةٌ} بحسبِ الأنواعِ والأصنافِ لا بحسبِ الأفرادِ فقطْ {مّنْهَا تَأْكُلُونَ} أي بعضَها تأكلونَ في كلِّ نوبةٍ، وأمَّا الباقِي فَعَلى الأشجارِ على الدوامِ لا ترى فيها شجرةً خلتْ عن ثمرِهَا لحظةً فهي مزينةٌ بالثمارِ أبداً مُوقَرةٌ بَها. وعنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لا ينزعُ رجلٌ من الجنَّةِ من ثمرِها إلا نبتَ مثلاَها مكانَها».


{إِنَّ المجرمين} أي الراسخينَ في الإجرامِ وهم الكفارُ حسبَما نبىءُ عنْهُ إيرادُهم في مقابلةِ المؤمنينَ بالآياتِ {فِى عَذَابِ جَهَنَّمَ خالدون} خبرُ إنَّ، أو خالدونَ هُو الخبرُ، وفي متعلقةٌ بهِ. {لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ} أي لا يخففُ العذابُ عنُهم، من قولِهم فَتَرتْ عنْهُ الحُمَّى إذا سكنِتْ قليلاً، والتركيبُ للضعفِ. {وَهُمْ فِيهِ} أي في العذابِ. وقرئ: {فيَها} أي في النَّارِ {مُّبْلِسُونَ} آيسونَ منَ النَّجاةِ. {وَمَا ظلمناهم} بذلكَ {ولكن كَانُواْ هُمُ الظالمين} لتعريضِهم أنفسَهُم للعذابِ الخالدِ. {وَنَادَوْاْ} خازنَ النَّارِ {يا مالك} وقرئ: {يا مَالِ} على التَّرخيمِ بالضمِّ والكسرِ، ولعلَّه رمزٌ إلى ضعفِهم وعجزِهِم عن تأديةِ اللفظِ بتمامِه. {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} أي لِيُمتنا حتَّى نستريحَ من قضَى عليه إذا أماتَهُ والمعنى سَلْ ربَّك أنْ يقضي علينا، وهَذا لا يُنافِي ما ذُكرَ من إبلاسِهم لأنَّه جؤارٌ وتمنَ للموتِ لفرطِ الشدَّةِ {قَالَ إِنَّكُمْ ماكثون} أيْ فِي العذابِ أبداً لا خلاصَ لكُم منْهُ بموتٍ ولا بغيرِه، عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُما: أنَّه لا يُجيبُهم إلا بعدَ ألفِ سنةٍ، وقيلَ: بعد مائةٍ، وقيلَ: بعدَ أربعينَ سنةً.
{لَقَدْ جئناكم بالحق} في الدُّنيا بإرسالِ الرُّسلِ وإنزال الكتبِ وهو خِطَابُ توبيخٍ وتقريعٍ من جهةِ الله تعالَى مقررٌ لجوابِ مالكٍ ومبينٌ لسببِ مكثِهم، وقيلَ: في قالَ ضميرُ الله تعالَى: {ولكن أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقّ} أي حقَ كانَ {كارهون} لا يقبلونَهُ وينفرونَ عنْهُ، وأما الحقُّ المعهودُ الذي هو التوحيدُ أو القرآنُ فكلُّهم كارهونَ له مشمئزّونَ منْهُ {أَمْ أَبْرَمُواْ أَمْراً} كلامٌ مبتدأٌ ناعٍ على المشركينَ ما فعلُوا من الكيدِ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم. وأمْ منقطعةٌ وما فَيها من مَعنْى بلْ للانتقالِ من توبيخِ أهلِ النَّارِ إلى حكايةِ جنايةِ هؤلاءِ، والهمزةُ للإنكارِ، فإنْ أُريدَ بالإبرامِ الإحكامُ حقيقةً فهيَ لإنكارِ الوقوعِ واستبعادِه، وإنْ أُريدَ الإحكامُ صورةً فهيَ لإنكارِ الواقعِ واستقباحِه أيْ أأبرمَ مشركُو مكَة أمراً من كيدِهم ومكرِهم برسولِ الله صلى الله عليه وسلم. {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} كيدنَا حقيقةً لا همُ أو فإنَّا مبرمونَ كيدنَا بهم خقيقةً كما أبرمُوا كيدَهُم صورةً كقولِه تعالى: {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فالذين كَفَرُواْ هُمُ المكيدون} وكانُوا يتناجَون في أنديتِهم ويتشاورُون في أمورِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ.


{أَمْ يَحْسَبُونَ} أي بلْ أيحسبونَ {أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ} وهو ما حدَّثُوا به أنفسَهُم أو غيرَهُم في مكانٍ خالٍ {ونجواهم} أي ما تكلمُوا به فيما بينهم بطريقِ التَّناجِي {بلى} نحن نسمعُهما ونطَّلِعُ عليهما {وَرُسُلُنَا} الذينَ يحفظونَ عليهم أعمالَهم ويلازمونَهم أينَما كانُوا {لَدَيْهِمْ} عندَهُم {يَكْتُبُونَ} أي يكتبونهما أو يكتبونَ كلَّ ما صدرَ عنهُم من الأفعالِ والأقوالِ التي من جُمْلتِها ما ذُكرَ من سرِّهم ونجواهم. والجملةُ إما عطفٌ على ما يترجمُ عنْهُ بَلَى، أو حالٌ، أي نسمعُهما والحالُ أنَّ رسلَنا يكتبونَ {قُلْ} أي للكَفرةِ تحقيقاً للحقِّ وتنبيهاً لهم على أنَّ مخالفتَكَ لهم بعدمِ عبادتِك لما يعبدونَهُ من الملائكةِ عليهمِ السَّلامُ ليستْ لبغضِكَ وعداوتِكَ لَهُم أو لمعبوديِهم، بلْ إنَّما هُو لجزمِكَ باستحالةِ ما نسبُوا إليهم وبنَوا عليه عبادتَهُم من كونِهم بناتِ الله تعالى {إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين} أيْ لَهُ وذلكَ لأنَّه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أعلمُ النَّاسِ بشؤونِه تعالَى وبما يجوزُ عليهِ وبما لا يجوزُ وأولاهُم بمراعاةِ حقوقِه ومن مواجبِ تعظيمِ الوالدِ تعظيمُ ولدِه، وفيهِ من الدلالةِ على انتفاءِ كونِهم كذلكَ على أبلغِ الوجوهِ وأقوَاها وعلى كونِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم على قوةِ يقينٍ وثباتِ قدمٍ في بابِ التَّوحيدِ ما لا يَخْقى معَ ما فيهِ من استنزالِ الكفرةِ عن رُتبةِ المكابرةِ حسبمَا يُعربُ عنْهُ إيرادُ إِنْ مكانَ لَوْ المنبئةِ عن امتناعِ مقدمِ الشرطيةِ، وقيلَ: إنْ كان للرحمنِ ولدٌ في زعمِكم فأنَا أولُ العابدينَ الموحدينَ لله تعالَى، وقيلَ: فأَنا أولُ الآنفينَ أي المستنكفينَ منْهُ أو منْ أنْ يكونَ له ولدٌ، منْ عَبِدَ يَعْبَدُ إذَا اشتدَّ أَنَفُه، وقيلَ: إنْ نافيةٌ أي ما كانَ للرحمنِ ولدٌ فأنَا أولُ من قالَ بذلكَ. وقرئ: {وُلْدٌ}.
{سبحان رَبّ السموات والأرض رَبّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ} أي يصفونَهُ بهِ منْ أنْ يكونَ له ولدٌ. وفي إضافةِ اسمِ الربِّ إلى أعظمِ الأجرامِ وأقواها تنبيهٌ على أنَّها وما فيَها من المخلوقاتِ حيثُ كانتْ تحتَ ملكوتِه وربوبيتِه كيفَ يتوهمُ أنْ يكونَ شيءٌ منها جُزْءاً منْهُ سبحانَهُ وفي تكريرِ اسم الربِّ تفخيمٌ لشأنِ العرشِ. {فَذَرْهُمْ} حيثُ لم يُذعنُوا للحقِّ بعد ما سمعُوا هذا البرهانَ الجليَّ. {يَخُوضُواْ} في أباطيلِهم {وَيَلْعَبُواْ} في دُنياهُم فإنَّ ما هُم فيهِ من الأفعالِ والأقوالِ ليستْ إلا من بابِ الجهلِ واللعبِ. والجزمُ في الفعلِ لجوابِ الأمرِ. {حتى يلاقوا يَوْمَهُمُ الذى يُوعَدُونَ} من يومِ القيامةِ فإنَّهم يومئذٍ يعلمونَ ما فعلُوا وما يُفعلُ بهم. {وَهُوَ الذى فِى السماء إله وَفِى الأرض إله} الظرفانِ متعلقانِ بالمَعْنى الوصفيِّ، الذي ينبىءُ عنْهُ الاسمُ الجليلُ من مَعْنى المعبوديةِ بالحقِّ بناءً على اختصاصهِ بالمعبودِ بالحقِّ كما مرَّ في تفسيرِ البسملةِ، كأنَّه قيلَ: وهُو الذي مستحقٌّ لأنْ يعبدَ فيهمَا، وقد مرَّ تحقيقُه في سورةِ الأنعامِ.
وقرئ: {وهُو الذي في السماءِ الله وفي الأرضِ الله}، والراجعُ إلى الموصولِ مبتدأٌ قد حذفَ لطولِ الصلةِ بمتعلقِ الخبرِ والعطفِ عليهِ، ولا مساغَ لكونِ الجارِّ خبراً مقدماً وإلهٌ مبتدأٌ مؤخرٌ للزومِ عراءِ الجُملةِ حينئذٍ عن العائدِ، نعمَ يجوزُ أن يكونَ صلةً للموصولِ وإلهٌ خبراً لمبتدأٍ محذوفٍ، على أنَّ الجملةَ بيانٌ للصلةِ وأنَّ كونَهُ في السماءِ على سبيلِ الإلهيةِ لا على سبيلِ الاستقرارِ، وفيهِ نفيُ الآلهةِ السماويةِ والأرضيةِ وتخصيصٌ لاستحقاقِ الإلهيةِ به تعالَى. وقولُه تعالَى: {وَهُوَ الحكيم العليم} كالدليلِ على ما قبلَهُ.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7